حمِل خطاب الملك محمد السادس، الذي وجهه جلالته اليوم الجمعة، إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، مجموعة من الرسائل والمضامين الهامة التي ترتبط بحقلي الماء والاستثمار.
وسلط الملك في خطابه الضوء على أن المغرب يمر في مرحلة جفاف هي الأكثر حدة منذ ثلاثة عقود، مطالبا بألا تكون أزمة المياه محلا للمزايدات السياسية، وأشار أيضا إلى إيلاء أهمية كبيرة لحل مشكلة المياه، من خلال بناء 50 سدا والعمل في الوقت الحالي على إنشاء 20 سدٍ آخر.
كما أشار الخطاب الملكي إلى رهان الدولة على الاستثمارات لتطوير اقتصاد البلاد وحل أزمة البطالة، مبرزا أن المغرب يراهن على الاستثمار المنتج، کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراطه في القطاعات الواعدة، وذلك من خلال توجيه الحكومة بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، لترجمة التزامات كل طرف في تعاقد وطني للاستثمار.
ويرى الحسن أشهبار، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية ركز على موضوعين هامين، يشكلان حلقة التنمية المندمجة في مغرب اليوم.
وذكر أشهبار أن الموضوع الأول المتعلق بإشكالية الماء، كان الملك واضحا فيه من خلال التأكيد على أن المغرب يواجه إشكالية حقيقية على مستوى تدبير الماء، الذي يعتبر عصب الحياة ومرتكز أساس في تحقيق التنمية، وهو ما يبرز هنا حرص الملك على إيلاء أهمية كبرى لهذا الأمر، من خلال وقوفه على عدد من التدابير الهادفة للحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها، مثل مخطط مكافحة آثار الجفاف.
وأضاف أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، أنه إلى جانب ذلك نجد تخصيص مجموعة من جلسات العمل الملكية المتعلقة بهذا الأمر، والتي أفضت لمجموعة من القرارات، من بينها مواصلة سياسة تشييد السدود المتواصلة وبناء محطات تحلية المياه، من أجل تجاوز هذا المشكل الذي تعرفه البلاد، والتي يعطيها المغرب تحت الرعاية الملكية أهمية قصوى، لا على مستوى البرامج والتدابير المسطرة أو التوجيهات والدعوات الملكية للمسؤولين والمواطنين بضرورة عقلنة استعمال الماء والتحلي بروح المسؤولية.
وأوضح المتحدث ذاته، أن الخطاب الملكي تضمن مجموعة من الخطوط العريضة أو التوجهات الكبرى التي ينبغي أن يركز عليها العمل البرلماني والحكومي بشكل عام، والتي يمكن تلخيصها في أربع نقاط، أولاها يتعلق بضرورة إطلاق برامج وطنية أكثر طموحا لتأطير ومجابهة إشكالية الماء مع ما يتطلبه الأمر من انفتاح واستعمال التكنولوجيات الحديثة.
وتابع القول إن التوجه الثاني فيتجلى في إعطاء عناية خاصة لكل ما يتعلق بترشيد الفرشاة المائية، التي أضحت مستنزفة بالمغرب، أما الثالث فينبني على أن سياسة الماء لا يمكنها اعتبارها سياسة قطاعية مرتبطة فقط بجهاز وزاري معين، فهي موضوع يهم كافة القطاعات الوزارية، الأمر الذي يفترض تحيين الاستراتيجية الوطنية لمجابهة إشكالية الماء، وفق التطورات التي تقع وخاصة التغيرات المناخية واستدامة ظاهرة الجفاف.
ولفت أشهبار إلى أن التوجه الرابع يتمثل في الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للماء من قبل مختلف الفاعلين، وذلك خلال كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية بكل جوانب هذه التكلفة، وهو ما يتطلب وفق الخطاب الملكي إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء.
ويبرز المتحدث ذاته، أنه بالنسبة للشق الثاني من الخطاب الملكي فركز على جانب الاستثمار، وتحديدا الاستثمار المنتج الذي يعتبر قاطرة لإنعاش الاقتصاد الوطني وتحقيق مناصب الشغل وبلوغ التنمية المنشودة، مشيرا إلى أن الميثاق الجديد للاستثمار سيعطي دفعة قوية وجديدة على مستوى جذب المغرب للاستثمارات، والذي يهدف لإزالة كل العراقيل التي تحول دون إقلاع هذا المجال.
واستطرد قائلا إن الملك أكد في هذا الجانب على الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه وتطلع عليه المراكز الجهوية للاستثمار، وهي مطالبة هنا بالإشراف على عملية الاستثمار في جميع مراحلها، لاسيما توفير الدعم اللازم في هذا الجانب للراغبين في الاستثمار.
وقال أستاذ العلوم السياسية إن الملك أكد في خطابه على ضرورة تفعيل مقتضيات اللاتمركز الإداري، إضافة لمجموعة من العوامل الأخرى التي يجب أن تستحضر في هذا الإطار، كاستخدام الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.
ولفت أيضا إلى أن الخطاب الملكي أوضح أن جاذبية الاستثمار في المغرب لا يمكن أن تتأتى إلا من خلال تعزيز قواعد المنافسة الشريفة، مع ما يتطلبه الأمر من تفعيل آليات التحكيم والوساطة وإيجاد الحلول لمختلف المشاكل التي يمكن أن يواجهها المستثمر، وكل ذلك يجب أن يؤطر باحترام مجموعة من القواعد، ومن أبرزها التحلي بروح المسؤولية.
وأكد أشهبار أن الاستثمار في عالم اليوم لا يمكن أن تتوخى منه تحقيق قيمة مضافة وإنتاجية دون جعل وإعطاء القطاع الخاص المكانة التي يستحقها، كمحرك للاستثمار والاقتصاد الوطني، كما أن القطاع البنكي باعتباره عامل أساس في تمويل وتشجيع الاستثمار فإنه مطالب بدعم الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين.
ونوه المحلل السياسي بأن المستثمر المغربي المقيم بالخارج كان له نصيب من الخطاب الملكي، حيث أكد الملك على ضرورة إعطاء مكانة خاصة لاستثمارات أبناء الجالية بالخارج، كما أشار لوجود تعاقد بين مختلف الفاعلين لتشجيع وتطوير الاستثمار، والذي رصد له مبلغ مالي يتجاوز 550 مليار درهم.
وشدد المصدر ذاته، على أن هذين الموضوعين اللذين تطرق لهما الخطاب الملكي يعتبران قطب الرحى لأجل تحقيق التنمية المستدامة والمنشودة، مبرزا أنه يجب أن يتصدى لهما من خلال العمل على معالجتهما عن طريق التشريع والتقييم، لتوفير الظروف الخاصة بهدف تجاوز المشاكل الحقيقية المطروحة في هذا الجانب، لاسيما أن الظروف الوطنية والتقلبات العالمية تزيد من مستوى التحديات وتجعل من الوظيفة البرلمانية أحد الآليات الفاعلة في تجاوز هذه الإشكاليات.
واعتبر أشهبار أنه من خلال ما جاء في الخطاب الملكي يستنتج أن هناك تركيز على إشكاليات ملحة، والتعامل معها لا يتطلب التأخير، والتأكيد على ضرورة قيام المؤسستين البرلمانية والحكومية باتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة من أجل تأطيرهما ومواجهتهما وإيجاد الحلول لهما، لأن ضمان مستقبل المغرب يوجب توفير حلول على المدى القريب والمتوسط لإشكالية الماء في ظل الجفاف الهيكلي والإجهاد المائي، وهو ما يتطلب سياسة عامة في مجال الماء، عبر تصدي السلطتين التشريعية والتنفيذية بسرعة وفعالية لهذا الأمر.
كما أكد أنه في الجانب المتعلق بالاستثمار، أن الخطاب الملكي شدد على ضرورة الاشتغال على استئصال الأمراض التي تنخر جسد هذا المجال، بسبب غياب روح المسؤولية وضعف قواعد المنافسة الشريفة، إضافة لوجود عتاب للقطاع البنكي، الذي أصبح مطالبا بدعم الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين.