أكد رئيس الكونفدرالية الوطنية لتجار السمك بالجملة، عبد اللطيف السعدوني، أن سوق السمك في المغرب يخضع لتحكم ثلاثة مضاربين رئيسيين، مما يؤثر بشكل مباشر على أسعار البيع ويقلل من فرص وصول المنتج البحري إلى المستهلك بأسعار عادلة.
وأوضح السعدوني، خلال استضافته في أحد البرامج التليفزيونية، أن هؤلاء التجار يشترون الأسماك في مراحلها الأولية، ثم يقومون ببيعها في سوق الجملة، حيث تنتهي مسؤوليتهم، قبل أن يتدخل تاجر آخر لشراء كميات كبيرة وإعادة توزيعها. مبينا أن هذه السلسلة التجارية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك النهائي، مما يطرح تساؤلات حول ضرورة ضبط السوق وتقنين عمليات البيع.
وفي حديثه عن ملف الشاب المراكشي عبد الإله، شدد السعدوني على أن حالته تبقى استثنائية، لكنه أكد في الوقت ذاته أهمية الالتزام بالقانون 28/07 الذي ينظم عملية بيع الأسماك، مشيرًا إلى أن عدم احترام الضوابط قد يؤثر سلبًا على جودة المنتجات المقدمة للمستهلكين.
أسعار السمك في المغرب.. كيف كشف “مول الحوت” لعبة المضاربات والاحتكار؟
ودعا السعدوني المكتب الوطني للصيد البحري إلى تشديد المراقبة وتفعيل الرقمنة في تتبع عمليات البيع، معتبرًا أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية المستهلك المغربي من المضاربة وضمان وصول السمك إليه بأسعار معقولة، بعيدًا عن أي تلاعب قد يضر بقدرته الشرائية وجودة ما يستهلكه من منتجات بحرية.
♦الفوضى في سوق السمك وتأثيرها على الأسعار والجودة
أكد أحمد بيوض، مستشار في مشاكل المستهلك لدى مركز حماية المستهلك، أن سوق السمك في المغرب يشهد عشوائية خطيرة، حيث يغيب فيه التنظيم، مما يسمح بانتشار المضاربة والتحكم غير المشروع في الأسعار.
وأوضح بيوض في تصريح لجريدة “شفاف”، أن الوضع الحالي يفسح المجال أمام المضاربين للتحكم في السوق دون أي ضوابط، ما يؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين، ويضعف الرقابة على جودة المنتجات.
ويصف بيوض الوضع في سوق السمك قائلا: إن السوق المغربي يعاني من فوضى حقيقية، فالأبواب مفتوحة للجميع دون ضوابط أو شروط واضحة، مما يسمح بانتشار المضاربة واحتكار بعض الفاعلين للسوق، ويؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر على حساب المستهلك العادي.
وأضاف المتحدث أن سوق الجملة للسمك في الدار البيضاء كان فيما مضى سوقًا منظمًا، حيث كانت جميع المعاملات تسجل على لوحات إلكترونية تظهر أسعار البيع بشكل واضح وشفاف، لكن اليوم لم يعد هناك أثر لهذه اللوحات، ولم تعد هناك أي وسيلة رقمية تساعد على تتبع العمليات التجارية، بل أصبحت الأمور تدار بعشوائية، مما جعل الأسعار غير واضحة والمضاربة تزداد تحكمًا في السوق.
♦القوانين المنظمة للأسعار والجودة والمنافسة
أشار بيوض إلى أن الإطار القانوني الحالي في المغرب يتضمن مجموعة من القوانين التي يفترض أن تحكم السوق وتحافظ على توازنه، لكنه شدد على أن التطبيق لا يزال يواجه إشكاليات كبيرة.
وأوضح أن القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة يكرّس مبدأ حرية الأسعار، مما يعني أن الدولة لا تتدخل في تحديد أسعار السمك أو أي منتج آخر.
وتابع بيوض رغم أن هذا القانون يهدف إلى خلق بيئة تنافسية، أصبح يُستغل من قبل بعض التجار والمضاربين لفرض أسعار مرتفعة دون أي ضوابط، حيث لا توجد سلطة يمكنها التدخل للحد من الارتفاع غير المبرر للأسعار.
أما فيما يتعلق بجودة السمك، فقد أشار إلى أن القانون رقم 28.07 يحدد إطارًا صارمًا لمراقبة المنتجات الغذائية، لكنه أكد أن تطبيق هذا القانون ليس بالفعالية المطلوبة، موضحًا أنه عند دخول السفينة إلى الميناء، يتم فحص الكميات التي تحملها، ثم تسلم إلى المراقبة التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، الذي يتولى التأكد من جودتها، لكن مع ذلك تبقى عملية التوزيع لاحقًا خارج أي رقابة صارمة، مما يسمح بوجود تلاعبات كبيرة في جودة المنتجات.
وفيما يخص حماية حقوق المستهلك، أشار بيوض إلى القانون رقم 31.08، الذي يتيح للمواطنين حق التبليغ عن أي تجاوزات، مشددا على أن معظم المستهلكين يفتقرون إلى الوعي القانوني حول كيفية الاستفادة من هذا الحق، ومضيفًا أن القانون متوفر ويوجد على أرض الواقع، لكنه ليس كافيًا وحده لحماية المستهلكين، إذ يجب تعزيز الرقابة على تنفيذه، كما ينبغي توعية المواطنين بكيفية تقديم شكاوى عند رصد أي خروقات.
بيع السمك بثمن زهيد بمراكش.. كيف فضحت الواقعة تضخم سلسلة الوسطاء وغياب الرقابة وجشع التجار؟
♦التبليغ عن التجاوزات وثقافة المستهلك
رغم أن القانون يوفر وسائل للتبليغ عن المخالفات، إلا أن بيوض يرى أن المستهلك المغربي لا يزال يعاني من ضعف ثقافة التبليغ، موضحًا أن هناك أكثر من مائة جمعية لحماية المستهلك في المغرب، وأربع فيدراليات، لكن قلة قليلة من المستهلكين يستفيدون منها، رغم توفر منصات إلكترونية مثل بوابة وزارة الصناعة والتجارة التي تتيح معرفة أقرب جمعية لحماية المستهلك والتواصل معها، إلا أن عدد الشكاوى لا يزال محدودًا، لأن المواطن غالبًا لا يتحرك حتى بعد تعرضه للضرر.
وأضاف أن المشكلة الكبرى أن المستهلكين يعتقدون أن جمعيات حماية المستهلك هي مؤسسات حكومية مسؤولة عن التدخل لحل مشاكلهم، في حين أنها مجرد جمعيات تطوعية تعمل بجهود ذاتية، مشددًا على أن المواطن عليه أن يبادر بالتبليغ عن أي تجاوزات بدلًا من الاكتفاء بالشكوى دون اتخاذ أي خطوات عملية.
♦احتكار الموزعين وتأثيره على السوق
وفيما يتعلق باحتكار الموزعين لسوق السمك، أوضح بيوض أن القانون رقم 104.12 والقانون رقم 31.08 يمنعان الاحتكار، لكن التطبيق الفعلي يختلف عن النصوص القانونية، مشيرًا إلى أن الاحتكار ليس مباشرًا، لكنه يحدث عبر آليات أخرى، حيث تقوم بعض الشركات الكبرى بشراء كميات ضخمة من السمك، مما يمنع باقي التجار الصغار من الحصول على كميات كافية بأسعار معقولة، ونتيجة لذلك، يُجبر المستهلك على شراء السمك بأسعار مرتفعة دون أن يكون هناك أي تدخل لتنظيم العملية.
وأضاف أن المشكلة ليست فقط في الاحتكار، ولكن أيضًا في غياب الشفافية في تسجيل المعاملات، فالتجار الكبار الذين يتحكمون في السوق لا يصرحون بالكميات الحقيقية التي يشترونها، وبالتالي لا يدفعون الضرائب المستحقة، مما يؤدي إلى خسائر للدولة.
♦الحلول الممكنة لإصلاح سوق السمك
شدد بيوض على ضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لإصلاح سوق السمك، وذلك عبر إعادة تنظيم الأسواق الكبرى بحيث تفرض رقابة صارمة على عمليات البيع والشراء، وإلزام جميع التجار بالتصريح بالكميات الحقيقية التي يشترونها، ثم تعزيز دور الجهات الرقابية مثل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية لضمان الجودة، وإلزام الأسواق بتوفير أنظمة شفافة لعرض الأسعار.
وتابع أن توعية المواطنين وتعزيز ثقافة التبليغ من خلال حملات تحسيسية تعرف المستهلكين بحقوقهم وتشرح لهم كيفية تقديم الشكاوى عند حدوث مخالفات. لإضافة إلى فرض ضرائب عادلة على التجار الكبار الذين يشترون كميات ضخمة من السمك، وإلزامهم بالإعلان عن معاملاتهم المالية بشكل شفاف.
وقال بيوض في ختام تصريحه، إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني بقاء الأسعار غير مستقرة، والجودة معرضة للخطر، والمستهلك المغربي هو الضحية، مشددًا على أن الدولة، التجار، والمواطنين جميعًا يتحملون مسؤولياتهم لإصلاح هذا القطاع الحيوي.