تشهد المدارس الحكومية في المملكة حالة من التوتر والشلل نتيجة للإضرابات التي يشنها عشرات الآلاف من الأساتذة والكوادر التعليمية والإدارية، من أجل إسقاط النظام الأساسي الجديد الذي جاءت به وزارة بنموسى.
وتسعى الأطر التعليمية لتصعيد احتجاجاتها بهدف الضغط على الحكومة من أجل التراجع عن تطبيق النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التعليم.
كما أن التصريحات المتعاقبة الصادرة عن الأغلبية الحكومية في اجتماعها الأخير، بخصوص الإضرابات التي يعرفها القطاع أجج الوضع ورفع منسوب الاحتقان وهو ما بات ينذر بتفاقم الأزمة في حال غياب رؤية للحل.
•لا تعليم بدون نظام أساسي مريح لموظفي قطاع التربية والتكوين
وتعليقا على الوضع المتوتر الذي يعيشه قطاع التعليم في المغرب لما يزيد عن الشهر، أفاد الأستاذ الباحث في الثقافة الأمازيغية والكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد، أن المقاربة التي عالجت بها الحكومة والوزارة مشكل نساء ورجال التعليم كانت بمنظور أفقي، وهذا أدى إلى انتفاضة الأساتذة ومطالبتهم بإسقاط النظام الأساسي الجديد، وهذه الوضعية تستمر ولا حلول في الأفق.
وحسب ماصرح به عصيد لجريدة “شفاف”، فإن النظام الأساسي أتى بمجموعة من القرارات، استنكرها العاملون في قطاع التعليم في المغرب، معتبرين الأخير مسَّ كرامتهم كمواطنين ووضعيتهم المهنية والاعتبارية في المجتمع.
والسؤال المطروح على الوزارة، وفق الناشط الحقوقي، هل يمكن أن يتوفر المغرب على تعليم سليم في حالة أن المدرس يتواجد في وضعية اعتبارية صعبة من الناحية الاجتماعية وغير مريحة مهنيا وماديا؟، مبينا، إذا كان الأستاذ والمعلم متضررين اجتماعيا وماديا واقتصاديا ومهنيا، فالعملية التعليمية في المدرسة المغربية ستكون في درجة صفر في المردودية التربوية الخاصة بالمدرسة العمومية.
والأولويات التي يجب على الوزارة والحكومة القيام بها، حسب أحمد عصيد، هو جلب نظام تربوي سليم يضمن لجميع العاملين في هذا القطاع من أساتذة وإداريين ومفتشين بأن يشتغلوا في ظروف طبيعية ومرتاحين في عملهم، وهذا ما نجده في الدول التي تعتبر التعليم الركيزة الأساسية في نهوضها، وتعمل على تقديم نظام لهذه المهنة بحيث تذهب لصالح العاملين فيه، وتُقدم أجور تضمن لموظفي التعليم بالعيش الكريم ولا تعمل على التمييز بين مختلف مكوناته من حيث الحقوق والواجبات.
وأوضح كذلك، على أن التعليم هو أقدس وظيفة في الدولة على اعتبار هو الذي يُخلِّق المواطن ويُنمِّي لديه الشعور بالانتماء للوطن ويربي فيه الأسس الذهنية للسلوك المدني ويَخلُق لديه الضمير المهني، وبما أن الوزارة والحكومة يطالبان الأساتذة بالعمل بشكل مهني بدون أن توفر لهم الإطارات والسياقات التي تضمن لهم تقديم المردودية في المستوى الذي يريدونه منهم، فهما مطالبان بالجلوس إلى طاولة الحوار مع الأساتذة وحل هذا المشكل في أقرب الآجال.
وتابع أيضا، من واحب الوزارة أن ترى أولويات المدرسين وأن تَرجع معهم إلى طاولة الحوار، مع العلم أن ما قامت به مع النقابات لم يكن موفقا وبالتالي أدى إلى تأجيج الوضع عوض أن يقوم بحل المشكل، وعليه فالوزير مطالب بعدم التصعيد لأن أبناء المغاربة الذين يدرسون في القطاع العمومي يضيعون والتعليم يتدهور ومئات ملايين ساعات العمل تضيع كذلك.
واستطرد، الجميع مطالب بالعودة إلى طاولة الحوار، ويمكن أن تكون هناك تنازلات حكيمة بين الطرفين مع وضع جدولة زمنية للوفاء بالوعود، مع العلم أن الوزارة سبق لها أن قدمت وعود إلى المدرسين ولم تفي بها، خصوصا فيما يتعلق بالتمييز لأنه من غير الممكن أن يكون الإداريين والمفتشين في وضع مريح والأساتذة الذين يقضون ساعات طوال داخل الفصل وتستنزف طاقاتهم ووضعهم الإداري والمهني والمادي مزري، وهذا الأمر غير مقبول.
•سحب النظام الأساسي والجلوس إلى طاولة الحوار مع الأساتذة هو الحل
وفي الإطار ذاته، طالب أحمد عصيد من الحكومة والوزارة بضرورة إلغاء التمييز في النظام الأساسي وأن يشمل التغيير جميع العاملين في القطاع على قدم المساواة، وهذا من أجل رد الاعتبار للمدرسين والمدرسات لأنهم يشعرون بأنه تم التميز بينهم وبين الإداريين وتم مس كرامتهم، بالإضافة إلى ذلك العمل على مراجعة الأجور، ثم إعطاء المدرسين الحق في الترقية خارج السلم وفي وقت مقبول، وكذلك لابد من إعادة النظر في نظام التعويضات، على اعتبار أن التعويضات التي تُعطى للأساتذة زهيدة مقارنة بالجهد المبذول، ثم هناك من الأساتذة الذين يعتبرون أنفسهم مرغمون على التعاقد بحيث لابد من تسوية مشكلاتهم بإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية كي لايبقى هناك موظفو الدولة ومستخدمون في إطار الأكاديميات، معتبرا هذا الوضع كذلك بالتميزي وغير مقبول.
وزاد المتحدث ذاته، الوزارة ملزمة عوض أن تعطي بظهرها إلى الأساتذة وتتجاهل مطالبهم بالعودة إلى طاولة الحوار، خصوصا أن انتفاضات الأساتذة اليوم قوية وتزداد ولايوجد أي مؤشرات تؤكد استسلامهم، وهناك إصرار منهم للوصول إلى نتائج إيجابية، وبالتالي الوزارة هي المسؤولة وعليها التنازل عن قرارها فيما يتعلق بالنظام الأساسي والحكومة كذلك بجميع مكوناتها.
•ضرورة التدخل الملكي والمجلس الأعلى لحل هذا المشكل
وأفاد الناشط الحقوقي في حالة أن الحكومة والوزارة لم يعملا على حل هذا المشكل فلابد من تدخل ملكي، بحيث دور الملكية في المغرب هو التحكيم، وذلك لإيقاف نزيف ملايين ساعات العمل وضياع الأطفال في تكوينهم وفي التربية والتعليم الخاص بهم وخاصة بالطريقة الفوقية التي تم فيها الإقرار بالعديد من التدابر بدون التواصل والاستشارة مع المدرسين.
ومن جهة أخرى، حسب أحمد عصيد، لابد من طرف ثالث يتدخل بين الوزارة والأساتذة وأولياء أمور التلاميذ لوقف هذا التصعيد الذي وصل إلى حده الأقصى، والمطلوب وفق المتحدث ذاته، أن يتدخل رئيس الحكومة بحلول فعالة ويدعو إلى طاولة الحوار جميع الأطراف لا أن يدلي بتصريحات تزيد الطينة بلة بخصوص الشلل الذي قطاع التعليم في المغرب.
وأكد الناشط الحقوقي، على أن هناك طرف آخر والمتمثل في المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي هو أيضا معني بما يجري في هذا القطاع وعليه أن يقدم مشورة للحكومة أو للدولة فيما يتعلق بحل هذه الإشكالية، ويمكن له كذلك أن يلعب دور الوسيط بين الحكومة والمدرسين في هذه الأزمة الحالية بحكم أنه مؤسسة مستقلة ولديه من الصلاحيات ومن الحكماء من لهم إلمام بمختلف القضايا ومشاكل القطاع وباستطاعتهم أن يتدخلوا لحل المشكل.
•وهبي يدافع على تصورات الأغلبية التي ينتمي إليها
وبخصوص التهديد الذي وجهه وهبي للأستاذة والأستاذات المضربين، أكد الأستاذ الباحث في الشأن الأمازيغي، أن كل مسؤول حكومي له حق الدفاع عن اختيارات حكومته كيفما كان منصب هذا الوزير وهذا ليس مشكلا في حد ذاته، بل المشكل في أن تستمر الحكومة في التعنت بينما تضيع مئات ملايين ساعات العمل، والتلميذ، والأباء، والأمهات، وأولياء أمور التلاميذ في تذمر والمدرسة المغربية مغلقة وهذه الوضعية لايمكن السماح باستمرارها.