ارتفعت خلال الأسابيع الأخيرة وثيرة العمل الدبلوماسي للمملكة داخل قارته الإفريقية، وهو ما حقق مكاسب مهمة للرباط، ولاسيما فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، والتي كان آخرها سحب الرئيس الكيني الجديد ويليام روتو اعتراف بلاده بـ “البوليساريو”.
وبعد خطوة كينيا التي أبرزت تقهقر النظام الجزائري وتراجع تأثيره المتعاقب داخل القارة السمراء، لاسيما وأن نيروبي كانت لأمد قريب أحد أبرز حلفاء الجزائر بإفريقيا، وهو ما يبرز النجاح الدبلوماسي للمغرب في هذا الملف وقدرته على إقناع المنتظم الدولي بواقعية مقترح الحكم الذاتي كحل نهائي وفعال للقضية المفتعلة حول الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، أبرز أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لجريدة “شفاف” أن كينيا هي إحدى الدول الإفريقية الخمسة الكبرى (نيجيريا، واثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وجنوب أفريقيا)، والتي هي من ضمن أحد عشر دولة افريقية ما زالت تعترف بالكيان الوهمي.
وأضاف نور الدين أن من هذه الزاوية يعتبر سحب اعتراف كينيا بجمهورية تندوف، ضربة قوية لدبلوماسية العسكر الجزائري، أما بالنسبة للدولة الافريقية الكبيرة من بين الخمسة التي ذكرنا التي تعتبر الأقرب إلى اتخاذ نفس الخطوة، وسحب الاعتراف بالكيان الوهمي، فأعتقد أنه من الناحية المنطقية الصرفة نيجيريا هي المؤهلة لذلك نظرا لتطور العلاقات الثنائية بشكل استراتيجي خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية، أن التطور في العلاقات بين الرباط وأبوجا يمس ملفين من أكبر الملفات التي تؤثر على صناع القرار، وهما ملف الأمن الغذائي من خلال استثمارات مغربية في نيجيريا ستبلغ 2.5 مليار دولار في مصنع لإنتاج الاسمدة الزراعية من الفوسفاط المغربي، وهو ما أشاد الرئيس محمد بخاري بهذا الإنجاز الذي سيحول نيجريا إلى منصة للأسمدة في غرب أفريقيا، حسب تصريحه في خطاب رسمي موجه للشعب النيجيري.
وتابع القول إن الملف الثاني لا يقل أهمية وهو أنبوب الغاز الذي سيربط الرباط بأبوجا مرورا بأحد عشر دولة في مجموعة “سيداو” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهو مشروع استراتيجي لتأمين الطاقة لتلك الدول، وأنه في وقت لاحق سيصدر عبره الغاز نحو أوروبا، والذي ازدادت أهميته مع الازمة الاوكرانية، مما سيتيح جلب استثمارات أوروبية.
واستطرد قائلا إن هذا المشروع يساهم بشكل واضح في الاندماج الاقتصادي والطاقي لدول غرب إفريقيا، لذلك شاهدنا هذا الأسبوع توقيع اتفاق في الرباط لدعم المشروع بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ونيجيريا؛ وهي عضو في المجموعة والمغرب، وبذلك أصبح مشروعا إقليميا وليس مشروعا ثنائيا، وهذ يعطيه أهمية استراتيجية على الصعيد الدولي وليس الإفريقي فقط.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن تنزانيا قد تكون أيضا قريبة من سحب الاعتراف، أما إثيوبيا فرغم العلاقات الثنائية التي تطورت هي الأخرى بشكل كبير مع المغرب، إلا أن كونها تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي سيجعلها مترددة في سحب الاعتراف مادام الكيان الوهمي عضوا في الاتحاد الإفريقي.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أنه يجب استئصال الخلية السرطانية لهذا الورم الانفصالي الخبيث من أصلها وطردها من الاتحاد الافريقي، لان هذا الاتحاد هو منظمة للدول المستقلة ذات السيادة وليس ناديا للحركات الانفصالية.
ولفت نورالدين إلى أن ما سبق ذكره يقتضي وضع خطة دبلوماسية مغربية محكمة بشراكة مع حلفائنا من الدول الإفريقية الصديقة، محذرا من اتخاذ خطوات انفرادية مغربية دون إعداد مسبق ووثيق من البداية مع الحلفاء الأفارقة، وفي تكتم شديد بعيدا عن أنظار المتلصصين، وبكيفية لا تترك للعدو منفذا دبلوماسيا او قانونيا يفلت منه، حتى لا يتكرر الخطأ الذي وقع في السابق مع الرسالة التي وقعتها 28 دولة افريقية سنة 2016، وبقيت حبرا على ورق الى اليوم بسبب تسرع الخارجية المغربية الموقرة وعدم التنسيق مع الحلفاء الأفارقة.