يقوم أفراد الجالية المغربية منذ عقود في مختلف بقاع العالم بالتعريف بثقافة المملكة والترويج لمكانتها وإشعاعها على كافة المستويات، ولم يعد الأمر يقتصر اليوم فقط على دول أوروبا وأمريكا، بل اتسع ليشمل بلدانا في إفريقيا، مثلما هو الحال مع مالاوي، التي انتقلت لها آية السبتي برفقة عائلتها قبل 11 عاما؛ قادمة إليها من العاصمة العلمية فاس، لتساهم خلال فترة دراستها وعملها بهذه الدولة بإبراز غنى الموروث الثقافي المغربي، وتقرب مواطني مالاوي من تقاليد المملكة المغربية الضاربة في الأصالة والقدم؛ سواءً على مستوى الطبخ أو اللباس.
ومن أجل التعرف أكثر على آية السبتي، التي حصلت على أعلى معدل في مستوى البكالوريا بمالاوي السنة الماضية (2023)، وعن تجربتها بهذا البلد وأسباب تفوقها الدراسي وتميزها في التعريف بالثقافة المغربية عبر الألبسة والطبخ وغيرهما، حاورت جريدة “شفاف” صاحبة 19 ربيعا.
♦ كيف كانت بداياتك بمالاوي؟
جئت صغيرة برفقة العائلة لدولة مالاوي؛ بعمر لم يتجاوز الثماني سنوات وقتها، وهو ما جعلني أتأقلم مع ثقافة وأجواء هذا البلد، والبداية بطبيعة الحال لم تكن سهلة، لكن بمساعدة أفراد أسرتي وصغر سني استطعت الانسجام مع سكان هذا البلد الإفريقي الجميل، حيث منحت لي الفرصة لطرح الأسئلة والتعريف بثقافتي المغربية خلال الأنشطة المدرسية والمناسبات والاحتفالات العامة أو الخاصة.
وانسجمت سريعا مع ثقافة وشعب هذا البلد بسبب انفتاحي ومساعدة الوالدين لي في ذلك، وحبي الكبير على التعرف لكل ما هو مغاير، وطموحي الدائم في اكتشاف الأمور الجديدة، وهو ما مكني من التأقلم وساعدني على التواصل بشكل جيد مع الأشخاص بهذه الدولة.
♦ ماذا عن تفوقك الدراسي؟
بعد قدومي قامت أسرتي بتسجيلي بإحدى المدارس الدولية بالعاصمة ليلونغوي، حيث تدرجت بها في مختلف المستويات مع زملاء من هذا البلد وغيره من الدول الأخرى؛ وصولا لحصولي على المركز الأول وأعلى معدل في الباكالوريا، من خلال تحقيق الدرجة “A”.
وطوال مرحلتي الدراسية السابقة كنت أعمل بدعم من عائلتي على أن أكون متفوقة وأحصد المراكز الأولى، وهو ما تحقق في مختلف المراحل التعليمية لي بمالاوي، وسأواصل جهدي في المثابرة والاجتهاد أكثر في مساري الدراسي لبلوغ مستويات عليا.
♦ ما الذي دفعك للحرص على التعريف بالثقافة المغربية في هذا البلد؟
في سنواتي الأولى بليلونغوي وجدت شبه غياب للجالية المغربية بهذه الدولة الإفريقية، حيث لم يكن يتجاوز عددهم على الأغلب 10 أفراد، وهو ما قد يكون له تأثير في عدم معرفة المالاويين لأي شيء تقريبا عن ثقافة المغرب العريقة، وهو ما سعيت برفق عائلتي إلى تغييره، من خلال مجموعة الخطوات التي كانت انطلاقتها من المدرسة التي كنت أدرس بها، حيث عملت في المناسبات والنقاشات داخلها على التعريف بثقافة وتراث بلادنا.
وإضافة لحرصي الدائم على التذكير والافتخار بأصولي وجذوري من خلال ارتداء ملابسنا التقليدية العريقة وتعريف الأصدقاء والزملاء بثقافتنا، قمت في 17 من عمري بافتتاح مطعم لتقديم الأكلات والحلويات والشاي والكسكس المغربي، وهو ما لاقى تفاعلا واستحسانا من لدن مواطني هذا البلد، الذين أصبحوا يسألون أكثر عن بلادنا وأهم ما يميزها من تقاليد وثقافة.
والشعب الملاوي صراحة منفتح ومتعطش لمعرفة الثقافات الأخرى، وعدد مهم اليوم بهذا البلد أصبح يعرف الكثير عن المملكة المغربية من تقاليد وملابس كالقفطان والجلباب وغيرهما، بفضل الجالية والمسؤولين المغاربة بهذه الدولة، التي تعززت معرفة مواطنيها كثيرا بالرباط، والعديد منهم اليوم يعبر عن رغبته في زيارة بلادنا بالرغم من عامل بعد المسافة بين الدولتين التي تقارب 11 ألف كيلومتر.
♦ ما الذي تفكرين فيه مستقبلا؟
بعد حصولي على البكالوريا أتابع دراستي حاليا عن بعد في أحد الجامعات الإنجليزية في تخصص التجارة والأعمال، وما أدرسه أكون سعيدة بتطبيقه في مشروعي الخاص بالطبخ المغربي الذي أطلقته قبل سنتين من الآن في مالاوي، وسأسعى فيما هو قادم لتطويره أكثر، ولما لا تصبح لدي علامة تجارية خاصة بي في هذا الجانب.
وأفكر مستقبلا بعد إكمال مرحلة تعليمي الحالي؛ في دراسة الماستر في بلد آخر كإنجلترا، وأيضا زيارة عديد بلدان العالم واكتشاف أمور كثيرة عن تلك المناطق، وفي نفس الوقت التعريف بالثقافة المغربية أكثر في الأماكن التي سأحط بها الرحال سواء للتعلم أو العمل أو غير ذلك.
♦ هل تنصحين المغاربة بزيارة مالاوي أو الاستقرار فيها؟
بلا شك هذا البلد جميل وأناسه طيبون للغاية، وبها أماكن سياحية كثيرة يمكن زيارتها واكتشاف الحياة الإفريقية الحقيقية من خلالها، لكن تقرير الاستقرار بها ليس سهلا، لأنه يجب على أي مغربي بألا يتخذ هذه الخطوة قبل التعرف على هذه الدولة جيدا، من خلال التواصل بشكل مباشر مع مواطنيها ومعرفة فكرهم وعقلياتهم، ومعرفة القواعد والآليات المعمول بها في مالاوي، ومن الممكن بعد ذلك للإنسان الحسم في هذا الأمر.
ونظرة المالاويين خلال السنوات الأخيرة صارت أكثر إيجابية تجاه المملكة والمغاربة، وأصبحوا منفتحين بشكل كبير على كل ما هو مغربي، وبعض مواطني هذا البلد زاروا بلادنا وأشادوا عند عودتها بمستواها والتطور المتواصل الذي تشهده على كافة الجوانب، حيث أشار البعض أن المغرب دولة أوروبية وليس إفريقية إعجابا منهم بما شاهدوه فيه.